كان بلعام من ذرية نبي الله لوط عليه السلام، وهو من قرية الجبارين في أرض الكنعانيين ببلاد الشام. كان رجلًا صالحًا متعبدًا وعالمًا جليلًا، يمتلك “اسم الله الأعظم” الذي إذا دُعي به أُجيبت الدعوات. كان قومه يلجؤون إليه ليدعو لهم الله لقضاء حوائجهم، من رزق ومطر وغيرهما، فكانت دعواته تُستجاب فورًا.
عندما جاء نبي الله موسى عليه السلام مع بني إسرائيل إلى أرض الشام، نزلوا على حدود قرية بلعام. خاف أهل القرية من أن يستولي موسى على أرضهم، فوسوس الشيطان إليهم وأقنعهم بأن موسى سيأخذ أرضهم لصالح بني إسرائيل. لجأوا إلى بلعام وطلبوا منه أن يدعو على موسى وقومه، لكنه رفض بشدة قائلاً: “كيف أدعو على نبي من أنبياء الله والملائكة ترعاه؟” حاولوا إغراؤه بالمال والطعام لكنه أبى. لجأوا إلى حيلة أخرى، فاجتمعوا جميعًا وقرروا أن يعرضوا عليه منصب الإمارة والجاه.
ذهبوا إليه مرة أخرى ووقفوا أمام صومعته، ونادوه بلقب “الأمير”. عندما رأى عزتهم له، استجاب لهم. صعد بلعام على جبل يُطل على مكان موسى وقومه، ورفع يديه للدعاء. لكنه كلما دعا على موسى وقومه، انقلب الدعاء عليه وعلى قومه. عندما أدرك ذلك، حاول التوقف، لكنهم غضبوا منه واتهموه بالخيانة. ندم بلعام على فعله، لكنه لم يتب.
وسوس له الشيطان مجددًا قائلاً: “لقد خسرت الآخرة، فلا تخسر الدنيا.” استجاب له بلعام وفكر في مكيدة خبيثة. اقترح على قومه أن يرسلوا نساءهم إلى بني إسرائيل لبيع السلع، مع السماح للنساء بإغواء الرجال وعدم رفض أي طلب. نفذ القوم خطته، وبالفعل سقط أحد رجال موسى في المعصية مع إحدى النساء.
عاقبهم الله بمرض الطاعون، ومات العديد منهم. عندما أدرك بنو إسرائيل أن الطاعون كان عقابًا على معصيتهم، قام أحد الصالحين من بني إسرائيل بقتل الزاني والمرأة التي زنت معه، ودعا الله أن يرفع عنهم البلاء. استجاب الله لدعائه وعفا عنهم.
أما بلعام، فقد غضب قومه منه بعدما تسبب في مقتل ابنة أحد زعمائهم. هاجموه وضربوه وتركوه يهيم جائعًا وعطشانًا ككلب هائم.
ذكر الله قصة بلعام في القرآن الكريم، فقال في سورة الأعراف: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
إذا أتممت القراءة، فصلّ على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ولا تنسَ مشاركة هذه القصة لنشر العبرة والحكمة. جزاكم الله خيرًا.
قصة بلعام بن باعوراء ذُكرت في كتب التفسير وكتب القصص الديني كتفسير ابن كثير والطبري وغيرهما، وهي مستمدة من الآية في سورة الأعراف:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ
(الأعراف: 175).
لكن التفاصيل المذكورة حول شخصية بلعام، وأفعاله، والدور الذي لعبه مع قومه وقوم موسى عليه السلام، مأخوذة من الروايات الإسرائيلية (الإسرائيليات) وهي روايات من مصادر أهل الكتاب.
ما موقف الإسلام منها؟
- تصديق أو تكذيب الروايات الإسرائيلية:
- يجوز الاستفادة من الروايات الإسرائيلية إذا لم تخالف القرآن والسنة.
- ما وافق شرعنا نأخذه، وما خالف نرده، وما لم يوافق أو يخالف، لا نصدقه ولا نكذبه.
- الحقيقة القرآنية:
- القرآن لم يذكر اسم بلعام صراحة، ولم يخُض في تفاصيل القصة. لكنه أعطى مثالًا عامًا عن شخص أُوتي العلم لكنه انحرف باتباع هواه ووساوس الشيطان.
الخلاصة:
القصة قد تكون صحيحة في إطارها العام، خاصة أنها توافق ما ورد في الآية، لكن التفاصيل الدقيقة حول اسم بلعام، مكانه، وما فعله بالضبط، مأخوذة من الروايات الإسرائيلية التي لا يمكن الجزم بصحتها تمامًا.